راي العالم في اسرائيل

اعترض حوالى 60 يهودياً بريطانياً في رسالة لهم على مسرحية قصيرة عرضت في لندن بحجة أنها «تشيطن» إسرائيل، أي تجعلها تبدو كشيطان.
هي كذلك غير، أن اليهود الموقّعين قالوا إن المسرحية «سبعة أطفال يهود:
مسرحية من أجل غزة» تظهر الآباء الإسرائيليين دعاة نصر عسكري وغير إنسانيين. وجاء في الرسالة التي نشرتها «الدايلي تلغراف» الأسبوع الماضي أن إسرائيل شنت حرباً دفاعية سنة 1967، وأنها عرضت رد جميع الأراضي المحتلة تقريباً، وأنها انسحبت من غزة سنة 2005، فأطلق منها ستة آلاف صاروخ على مدنيين إسرائيليين. هل هذا صحيح؟ إسرائيل بدأت الحرب، والرئيس جمال عبدالناصر كان يهدد وجيشه في اليمن، وعرْض إعادة الأرض المحتلة «كلها تقريباً» لم أسمع به مع أنني كنت رئيس نوبة في «رويترز» حتى 1970، وكنت رئيس نوبة الصباح في 5/6/1967، وطالت النوبة من ست ساعات الى خمسة أيام، وبالنسبة الى الانسحاب من قطاع غزة فهو حدث فعلاً، وإسرائيل حولت القطاع من أرض محتلة الى معسكر اعتقال نازي. أما الصواريخ، فهي حتى الهجمة الهمجية لم تقتل سوى ثلاثة إسرائيليين، وكانت إثباتاً لرفض الاحتلال أكثر منها سلاحاً للتحرير. لن أتهم موقّعي الرسالة بأنهم اعتذاريون لإسرائيل يحاولون التغطية على جرائمها، فبعض اليهود يرفض الاعتراف بما ترتكب إسرائيل ضد الفلسطينيين، لأنه كمن يعترف بمــسؤوليته غير المباشرة عن هذه الجرائم طالما أنه يدعـــم دولة إســـرائيل، أو هو يرفض أن يصدق أن الناجين من النازية والمتحدرين منهم يمكن أن يرتكبوا جرائم كالتي عانوا منها في أوروبا. وكنت قرأت مقالاً في صفحتين كاملتين للصحافي البريطاني هوارد جاكوبسون عنوانه: «دعونا نرى «انتقاد» إسرائيل كما هو حقيقة». جاكوبسون معتدل أقرأ له بانتظام، وهو كيهودي يؤيد إسرائيل، إلا أنه وسطي لا أذكر أنني قرأت له آراء متطرفة، ومع ذلك فهو هذه المرة يرى «هستيريا» كره ضد إسرائيل ويعتبرها لاسامية يرفض أصحابها الاعتراف بها. هذه حجة العاجز، وهي أيضاً إهانة لمئات، بل ألوف اليهود حول العالم، الذين قادوا حملات ضد العدوان الإسرائيلي. بل طالبوا بمعاقبة إسرائيل ومقاطعتها، وقد أشرت في هذه الزاوية غير مرة الى هؤلاء اليهود محذراً العرب والمسلمين من اعتبار كل يهودي بنيامين نتانياهو أو أفيغدور ليبرمان، أو آرييل شارون قبلهما. هؤلاء اليهود، من جامعات بريطانيا وأميركا، الى إسرائيل نفسها، لا يمكن أن يكونوا لاساميين، ومثلهم القس دزموند توتو الذي وصف سياسة إسرائيل ضد الفلسطينيين بأنها فصل عنصري، أو أبارتهيد، على طريقة جنوب أفريقيا القديمة. ثم هناك طلاب الجامعات، وتكفي جامعات بريطانيا مثلاً، فقد انتهى الهجوم على غزة من دون أن ينتهي غضب الطلاب الذين اعتصموا وانتصروا للفلسطينيين، وفرضوا على جامعاتهم تقديم زمالات لطلاب من الأراضي المحتلة. وقد وافقت جامعات كلاسكو ومانشستر وكنغز كولدج في لندن على طلبات طلابها. وعندما رفضت جامعة كامبردج، وجّه 60 أستاذاً رسالة احتجاج الى الإدارة على تشددها إزاء الطلاب. غالبية الطلاب في كل بلد مثالية وسطية الى يسارية، وهؤلاء لا يمكن أن يتهموا باللاسامية، أو تتهم جماعات حقوق الإنسان حول العالم التي تطالب الآن بتحقيق في احتمال ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة. وأختار هنا أن أحيي جامعة كاليفورنيا لقيادتها حملة ضمت مئتي أستاذ جامعي أميركي دعوا الى مقاطعة إسرائيل. الموضوع أوضح من أن تغطيه أي بهلوانية كلامية، أو دخان تعمية، فإسرائيل قتلت في ثلاثة أسابيع أكثر من 1300 فلسطيني حوالى نصفهم من النساء والأطفال، ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان في نيويورك ومنظمة العفو الدولية في لندن، ومنظمات غربية مماثلة في كل بلد تريد التحقيق في حرب إسرائيل على قطاع غزة. ومنظمة العفو الدولية بعثت بتقرير الى الرئيس باراك أوباما يفصّل الأسلحة الممنوعة، وأكثرها أميركي، التي استعملتها إسرائيل. هؤلاء جميعاً لا يمكن أن يتهموا بكره إسرائيل من دون سبب، أو باللاسامية. هناك احتلال عمره ستون سنة أو أربعون، وهو حتماً يبرر المقاومة المسلحة ضده، وهناك ممارسات إسرائيلية دانتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم ينتصر لإسرائيل فيها سوى أميركا وبعض الدول الجزر في جنوب المحيط الهادي. هذا هو رأي العالم في إسرائيل، وهو الحَكَم، لا إسرائيل وأنصارها، في ارتكابات دولة الاحتلال، فإسرائيل في محكمة الرأي العالمي مدانة من دون أن تذهب الى لاهاي

وفقك الله لكل خير وصلاح